لكل زمن..كلماته!

مشاعل الحرية

بدأت القصة في عام ١٩٢٨م عندما استعان صاحب أكبر شركات التبغ الأمريكية بإدوارد بيرنيز لاستهداف النساء باعتبارهم قوة شرائية مُهدرة؛ بسبب نبذ المجتمع واحتقاره للمرأة المدخنة آنذاك. ففي زمن كان يُنظر للتدخين كرمز للرجولة، كانت فكرة دفع النساء للتدخين وإقناع المجتمع بقبول ذلك، فكرة تكاد تكون مستحيلة.. ولذلك كانت الاستعانة بأب العلاقات العامة، إدوارد بيرنيز، ضرورة ملحة..

لطالما آمن بيرنيز بنظريات خاله (سيجموند فرويد) في علم النفس، ونجح في تطبيقها على أرض الواقع وحصد نتائج مبهرة بسبب ذلك، وهذا تمامًا مافعله عندما عُرضت عليه مسألة دفع النساء للتدخين، لجأ وقتها بيرنيز للمحلل النفسي د. إبراهام بريل -أحد أهم تلاميذ فرويد-وسأله “مالذي تعنيه السجائر للنساء؟”فجاءه الرد سريعًا “السجائر هي مشاعل الحرية للنساء” ذلك بسبب ماترمز إليه من رفض واعتراض على القوانين والأعراف التي يبتكرها ويفرضها الرجل للحد من حرية المرأة.

وانطلقت من تلك الإجابة أحد أقوى الحملات في مجال العلاقات العامة، ففي مسيرة عيد الفصح لعام 1929م أخرجت مجموعة من النساء السجائر وأشعلنها في حركة تحدٍ مقصودة أصابت المجتمع والصحافة بصدمة كافية لجعله الحدث الأكثر جدلًا حينها، خصوصًا في وقت كان فيه الحراك النسوي لمطالبات العدالة الاجتماعية وحق التصويت في أوجه.

حرص بيرنيز على تسريب الخبر للصحافة مسبقًا، وحصل على ما يحتاجه من تغطية وأكثر مما كان يتوقعه، حتى أن الصحافة استمرت في نشر وقائع لنساء يرفعن مشاعل الحرية خاصتهن في الميادين العامة بدون طلب منه.

 

مامدى استعانة الوكالات الإعلانية بالخبراء في العلوم الأخرى اليوم؟

من أهم الدروس التي يمكننا تعلمها من الواقعة السابقة هو أن دمج التسويق بالعلوم الأخرى يمكنه أن ينتج لنا قوة مؤثرة ليس لها مثيل، فالتسويق هو مجموعة من الأدوات التي تمكّن من الوصول للمتلقي، ولكن هذه الأدوات في حاجة لروح وفكر، في حاجة لثقافة إنسانية داعمة لتحريك هذه الأدوات بما يخدم الهدف.

ويمكنك الاستعانة بالعلوم الأخرى عبر القراءة أو الدراسة أو التواصل مع الخبراء وسؤالهم.

 

قوة الكلمة

الدرس الثاني الذي يمكننا تعلمه هو إدراك قوة الكلمة.

لا شك أن للكلمات قوتها المؤثرة خصوصًا في مجال التسويق، فهي وسيلتك للوصول لجمهورك واستقطابه، وصناعة صورتك، وإيصال منتجاتك، ولذلك حين يـأتي الأمر عند اختيار الكلمة المناسبة فعليك بذل مجهود مضاعف، خصوصًا في وضع يتلقى فيه الإنسان العديد من الرسائل والكلمات في وقت واحد، فلا تبخس أبدًا من قدر الكلمة، ولا تستهن في استعمال الكلمات المستهلكة والباهتة، لأن ذلك سيعكس صورة سلبية لا تخدمك ولا تخدم هدفك.

 

لكل زمن كلمته

في حالة بيرنيز كانت كلمة (الحرية) عندما توضع في سياق الحديث عن ما يخص النساء في ذلك الزمن -وإلى هذه اللحظة-كلمة لها ثقلها وجاذبيتها، والإعلام والناس متعطشين لها ولكل ما يدور حولها.

وفي حالتك، عليك البحث عن الكلمة التي تناسب الزمن والجمهور المستهدف، كما تتسق مع منتجك وهدفك، لتنجح في تحقيق الأثر المطلوب، وقد لا تكون كلمة واحدة، بل عدة كلمات.

وفي خضم بحثك عن كلمات زمنك، ستجد العديد منها مكررًا ومُقحمًا في أكثر من سياق، وهنا تأتي مهارة كاتب المحتوى في تكييفها ونزع الرتابة والتكرار عنها لتبدو للجمهور كما لو أنهم يقرأونها لأول مرة.

 

أخيرًا، انظر للمكان الذي تعيش فيه، والجمهور الذين تخاطبهم، ماهي كلمات زمنهم؟

 

 

المراجع:

https://yourstory.com/2014/08/torches-of-freedom/

https://www.youtube.com/watch?v=xemnFcaY3Mg